إنَّ عقيدة الإنسان هي التى تحكم سلوكَهُ ومنهجَهُ فى تناول قضايا الحياة، فمن صحَّت عقيدتُهُ صحَّ سلوكُهُ ومنهجُهُ،ومن فسدت عقيدتُهُ فسد سلوكُهُ ومنهجُهُ، وهذه قاعدةٌ مطردةٌ لا تختلف.
وقد بيَّن الله فى كتابه ـ وشهد له الواقع ـ أنَّ سلوك البشر محصورٌ فى ثلاث طرائق:
*الطريقةُ الأولى:هي طريقةُ من وافق سلوكُهُ ما تقتضيه عقيدتهُ الصّحيحةُ:
فمن آمن بالله واليوم الآخر إيمانا جازما،فإنَّه يُسارعُ فى الخيرات،ويمتثلُ بأوامر الله ولو كان في ذلك ذهاب النفس والمال.
فهم موصوفون بالخشية والإنابة والصبر و مراقبة الله والذكر والإستغفار والمسارعة إلى الطاعات كإقامة الصلاة وأداء الزكاة و الإنفاق فى سبيل الله،والمحافظة على العهود والأمانات والإبتعاد عن الفواحش والآثام ،وغير ذلك من الصفات الّتى هي ثمرة الإيمان والصدق والإخلاص.
وأولئك هم المؤمنون فى كتاب الله الَّذين وعدهم الله الجنَّة.وليحرص اللبيب الناصح لنفسه،المستيقن بأنّ الدنيا زائلةٌ عن قريب على أن يكون من أولئك.
*********
*الطريقةُ الثانيةُ:هي طريقةُ من وافق سلوكُهُ ما تقتضيه عقيدتهُ الفاسدة:
فمن ضلَّ عن العقيدة الصحيحة،عن الإيمان بالله وتوحيده،وآمن بالكفر والشرك، فإنَّه لايقدر على سلوك سبيل المؤمنين،بل يُسارعُ فى تلبية رغبات آلهته الَّتى عبدها من دون الله،كالآلهة الروحية الَّتى يعتقد فيها النَّفعَ والضرَّ،والَّتى لها سلطانٌ قاهرٌ على قلبه. والآلهةُ الكثيرةُ الأخرى الَّتى لها سلطانٌ قاهرٌ على سلوكه وتوجيهات حياته، والَّتى يُطيعها من دون الله،كهوى النفس والشيطان،و أئمة الكفر والضلال، وشرائع السلطات الكافرة، وكالعصبية القبلية، و القومية، والوطنية، وكالأصنام الحديثة كالعرفِ العالمي أوالمحلِّي، والإنتاج المادي،والعلم الحديث وغير ذلك.
قال الله عزَّ وجلَّ فى شأن أهل الشرك الَّذين ضلُّوا سبيل النجاة:
فهم موصوفون بمحادَّة الله،واتخاذ الأنداد من دونه، ورفض أوامره، ومعاداة أوليائه، والصدِّ عن سبيله، واستحباب الحياة الدنيا على الآخرة، وتقديم مناهج العبيد على كتاب الله ومنهجه للحياة،ونقض العهود،والإعتداء فى الأقوال والأفعال،وغير ذلك من صفاتهم الذميمة.
وليحرص اللبيب النَّاصح لنفسه،المستيقن بأنّ الدنيا زائلةٌ عن قريب على مفارقة أولئك وعدم مشابهتهم قلباوقالبا، وباطنا ظاهرا.
*********
*الطريقةُ الثالثةُ:هي طريقة أهل الذبذبة والشَّك والتناقض،طريقة من يدَّعى "العقيدة الصحيحة" ثمَّ يوافقُ أهل "العقيدة الفاسدة" فى السلوك الظاهر،يُوافقهم فى استحبابِ الحياة الدنيا على الآخرة،وتقديمِ هوى النفس على أوامر الله، واتِّباع الشهوات، وبُغضِ الصالحين،ونقضِ العهودِ،وخيانة الأمانات،والبخلِ بالنَّفس والمال،وإحياء العصبيَّات الجاهليَّة، وغير ذلك من الصفات المُبعدةِ عن الله.
واللهُ تعالى لم يقل لأهلِ الإيمانِ:إنَّ أهلَ الذبذبةِ والشكِّ والتناقضِ إخوتُكم فى الدِّين ما داموا يتكلَّمون بكلامكم، ويُظهرون بعضَ شعائردينكم،كالتوحيد والصلاة و غير ذلك.وإنَّما بيَّن فى آيات محكمات،أنَّ الَّذى جعلهم يتذبذبون ويتـناقضون، ما هو إلا "العقيدةُ الفاسدةُ"،ما هو إلا الشكُّ و الكفرُ والإستكبارُ والركونُ إلى الدُنيا الَّذى فى قلوبهم.كما بيَّن كذلك أنَّهم هم "العدوّ الأقرب" الَّذى يجبُ الحذرُ منه.وأنَّهم "منافقون"أي: "مسلمون فى الظاهر كافرون فى الباطن"وإن صام وصلَّى وزعَم أنَّهُ مسلمٌ
هذه هي صفاتهم العامَّة وسماتهم البارزة، وقد أكثرالله فى القرآن من ذكرها، ليحذرهم المؤمنون، ويُنْزلوهم منازلهم، ولاينخدعوا بولائهم الظاهر، وإكثارهم لسواد المسلمين.
وعلى كلِّ عاقل لبيب أن يتَّعظ بمواعظ الله ،وأن يتَّخذ القرآن مرآة يرى بها الفاسد من سلوكه ليُصلحهُ،قبل فوات الأوان،وانسداد باب المغفرة والتوبة.
إنَّ المؤمن الحقّ إذا وافق أمرالله لايبالى ما فاته من الدنيا......وإنَّ المنافق إذا صلُحت له دنياه لا يبالى ما تركه من أوامر الله.
إنَّ المؤمن الحقّ إذا تعارضت عليه الأمور،يقدِّمُ رضى الله على هوى نفسه ...... وإنَّ المنافق لايتَّبعُ رضى الله ، ولا يدرى قيمة أعلى من الحياة تستحقُّ العناية والإهتمام.